بقلم د. محمود عمارة , ٩/٧/٢٠٠٧
...
«المرآة» تنبه وتحذر الإنسان من عاداته اليومية السلبية.. وأسلوب حياته المعيشية، والثقافة الغذائية.. باختصار هي تنبهنا.. تحذرنا.. لنبحث ونحلل لنغير من سلوكياتنا القاتلة لنا، لنحافظ علي صحتنا، وشكلنا، ولنحمي مستقبلنا من أي خطر محتمل، وهذه من مزايا استخدام التكنولوجيا الحديثة.
عندما رأيت هذه «المرآة» في آخر زيارة دورية لباريس، فكَّرت أن أشتري واحدة بعشرة آلاف يورو لأهديها إلي أمين السياسات جمال مبارك «المُعْلِنْ» عن مشروع القاهرة ٢٠٥٠، باعتباره الرجل الثاني في الدولة الذي يذكر اسمه قبل فتحي سرور، وصفوت الشريف.. لنقل له ولكل الجهابذة الذين يضحكون علينا، ويسخرون من ذكائنا، نقول لهم: قبل أن تفكروا في «القاهرة» ٢٠٥٠ منعزلة وحدها.. فكروا أولاً فيما سيحدث «لمصر» عموماً،.. «مصر» التي ستواجه كارثة محققة بعد ستين عاماً من الآن حسب ما نشرته منظمة «الفاو» للأغذية والزراعة وقالت بالحرف الواحد:
إن عدد سكان مصر عام ٢٠٦٥ سيصل إلي ٣٤٦.٦ مليون نسمة.. نعم سنصل إلي ثلاثمائة وستة وأربعين مليوناً، وستمائة ألف نسمة.. وأن هذه الزيادة السكانية الرهيبة ستأكل الأراضي الزراعية بالبناء عليها، بالقياس إلي العشرين سنة الماضية كالتالي:
مصر من ١٩٨٥ وحتي ٢٠٠٥ زادت من ٤٥ مليوناً إلي ٧٥ مليوناً، ففقدت ١.٣مليون فدان.. من أجود الأراضي الزراعية، وبما أن معدلات الزيادة السكانية لن تقل بأي حال من الأحوال عما هي عليه الآن فسوف يحدث التالي :
مصر من ٢٠٠٥ وحتي ٢٠٢٥ سيصل تعدادها إلي ١٢٥ مليوناً، وستفقد ٢ مليون فدان جديدة.
ومن ٢٠٢٥ حتي ٢٠٤٥ سنصل إلي ٢٠٨ ملايين نسمة يحتاجون مسكناً إضافياً علي مساحة ٣،٣ مليون فدان.. مما يعني أن مصر ستفقد خلال الأربعين سنة المقبلة ٥.٣ مليون فدان!!!
وبنفس معدلات الإنجاب، فمصر ٢٠٦٥ ستجد نفسها أمام الكارثة عندما تجد تعداد سكانها وصل إلي ٣٤٦ مليون نسمة.. وتفقد «غصباً عنها» مساحة ٥،٥ مليون فدان إضافية ليصل إجمالي المساحة المتآكلة: ٥.٣ + ٥،٥ = ١٠.٨ مليون فدان!! وبما أن المساحة المزروعة الآن هي ٨ ملايين فدان، والمستهدف حسب مواردنا المائية هو الوصول إلي ١١.٥ مليون فدان.. إذن عام ٢٠٦٥ سيتبقي لنا فقط «مليون» فدان منزرعة..
وإذا عدنا إلي تاريخ إنشاء الحزب الوطني عام ١٩٠٧ سنجد أن تعداد مصر كان أقل من ٦ ملايين مصري «يرمحون» علي مساحة ٣ ملايين فدان مزروعة.. أي أن نصيب كل مصري كان نصف فدان أي ٢٢٠٠ متر..
وبما أن الحزب الوطني الجديد قد قرر بالتعديلات الدستورية + قانون الإرهاب، وبما أنه يعلم أن الشعب المصري «تواق» إلي استمراره، وبما أنهم في الحزب قد قرروا أن يحكمونا لخمسين سنة مقبلة، ويخطط جمال مبارك من الآن لعاصمة الحكم حتي ٢٠٥٠، فعليه أولاً أن يخطط لمواجهة الكارثة.. أن يخطط لمصر التي ستتآكل أراضيها ويصبح نصيب المواطن المصري «متراً» واحدا يأكل منه ويدفن «مقرفص» تحته!
مطلوب مؤتمر قومي يضم علماء وخبراء متخصصين ليرسموا لنا أولاً «صورة» أو «شكل» مصر عام ٢٠٦٥، وبداخلها صورة لـ«القاهرة» ٢٠٥٠.. حتي لا تفاجأ الأجيال القادمة بالصورة السوداء لمصر بعد أن تصبح دولة عشوائية يعيش أهلها في مقابر جماعية علي أرضهم التي كانت مزروعة..
فيجدوا أنفسهم علي أطراف الصحراء رعاة.. حفاة.. يسوقون الماعز والإبل، ويعيشون في خيام كأهل دارفور، وتكون أمنية «المصري» أن تصبح بلاده يوماً «كبوركينا فاسو» أو موزمبيق، ووقتها لن يكون أمامهم سوي أن يلعنونا، ويجرجرونا من القبور ليحاكمونا علي ما فعلناه بمصر وبهم.. أرجوكم افعلوا شيئاً لمستقبل هذا البلد قبل فوات الأوان، وكفانا ما جري لنا، وما وصلنا إليه، وأصبحنا أضحوكة لكل من لا يسوي!
No comments:
Post a Comment